کد مطلب:280433 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:183

رحیل النبی الخاتم
لقد جاء النبی (ص) بالأدلة المقبولة. والمعجزات التی هی بلسان التواتر منقولة، وقد قال المسیح علیه السلام: من قبل ثمارهم تعرفونهم، وقد علم المخالف والموالف. أن محمدا رسول الله لم تثمر شجرته عبادة غیر الله ولم یشرك مع الله غیره، ولا جعل له ندا من خلقه ولا ولدا، ولا قال لأمته اعبدوا إلهین اثنین ولا ثالث ثلاثة، ولا عبد رجلا ولا عجلا ولا كوكبا، بل دعا إلی ملة إبراهیم. إله واحد لا إله إلا هو، وأخلص لله وحده، ونزهة عن النقائض والآفات، وجاء بكتاب من عند الله أمر فیه بطاعة الله، ونهی عن معصیته، وزهد فی الدنیا ورغب فی الآخرة. وأمر بالمعروف ونهی عن المنكر، وأمر ببر الوالدین وصلة الرحم وحفظ الجار، وفرض الصدقات، وأمر بالصوم والصلاة، وحث علی مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، ثم كسر الأصنام وعطل الأوثان. وأخمد النیران وأعلن الآذان. فهذه هی ثمار النبی (ص). الذی بعثه الله والناس فی ظلمة الجهل والانحراف. فأنار الطریق وأقام الحجة. وبین منهجه للبشریة الطریق الذی یحقق السعادة فی الدنیا بما یوافق الكمال الأخروی، لأنه یمد الإنسان بالوقود الذی یمیز به بین



[ صفحه 271]



الحلال وبین الحرام، وینطلق بالإنسان نحو الأهداف التی من أجلها خلقه الله، بالوسائل التی لله فیها رضا، ومن خلال المنهج الإسلامی یحفظ الإنسان صلته بالله ورسوله، لأن المنهج یقوم علی أوامر الله، فهو سبحانه مصدر جمیع السلطات وإلیه تنتهی جمیع القرارات، لأنه تعالی مصدر الخلق والتكوین. وواهب الحیاة ومقوماتها، فكما أن له سبحانه الخلق والإبداع. كذلك له الأمر والنهی.

وبعد أن أقام النبی (ص) الحجة. حانت الساعة التی یدعی فیها فیجیب، وعلی فراش المرض أخذ النبی (ص) بالأسباب حتی لا تختلف الأمة من بعده. وهو یعلم أن الاختلاف واقع لا محالة، ونظام العالم هو نظام الأسباب والمسببات، والإنسان مطالب بأن یكون اعتماده علی الله عند أخذه بالأسباب وفی كل حال، وعلی هذا سار الأنبیاء والرسل علیهم السلام، كانوا یخبرون بالغیب عن الله بما یستقبل الناس من فتن وأهوال، ثم یأخذون بالأسباب فیحذرون الناس من مخاطر الطریق.

عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله (ص)، وفی البیت رجال فیهم عمر بن الخطاب، قال النبی (ص): هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبی (ص) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن.

حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البیت فاختصموا منهم من یقول: قربوا یكتب لكم النبی (ص) كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من یقول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبی (ص)، قال النبی (ص): قوموا! فكان ابن عباس یقول: إن الرزیة كل الرزیة، ما حال بین النبی (ص) وبین أن یكتب لهم ذلك الكتاب. من اختلافهم ولغطهم!. [1] وفی روایة:



[ صفحه 272]



قال النبی (ص) قوموا عنی ولا ینبغی عندی التنازع، [2] وروی عن جابر بن عبد الله أن النبی (ص) دعا عند موته بصحیفة لیكتب فیها كتابا لا یضلون بعده، فخالف علیها عمر بن الخطاب حتی رفضها، [3] وعن سعید بن جبیر عن ابن عباس إنه قال: یوم الخمیس وما یوم الخمیس، ثم جعل تسیل دموعه، حتی رأیت علی خدیه كأنها نظام اللؤلؤ، قال:

قال رسول الله (ص) أئتونی بالكتف والدواة - أو اللوح والدواة - أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا؟ إن رسول الله (ص) یهجر. [4] .

قال ابن الأثیر: القائل هو عمر بن الخطاب. [5] ومعنی هجر.

قال فی لسان العرب: یهجر هجرا. إذا كثر الكلام فیما لا ینبغی. وهجر یهجر هجرا. بالفتح: إذا خلط فی كلامه وإذا هذی [6] وقال فی المختار الهجر: الهذیان [7] وقال فی المعجم. هجر المریض: هذی. [8] .

لقد اختلفوا وأكثروا اللغط ولا ینبغی عند رسول الله التنازع، قال تعالی: (یا أیها الذین آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبی ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون). [9] وقال جل شأنه (فلیحذر الذین یخالفون من أمره أن تصیبهم فتنة أو یصیبهم عذاب ألیم). [10] وقال (یا أیها الذین آمنوا استجیبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما یحییكم واعلموا أن الله یحول بین



[ صفحه 273]



المرء وقلبه وإنه إلیه تحشرون. واتقوا فتنة لا تصیبن الذین ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شدید العقاب). [11] .

ومن یتدبر فی أحداث یوم الصحیفة ویمسك بأطرافها، تجد أن الرسول (ص) أراد أن یكتب لهم كتاب یكون سببا فی الأمن من الضلال، وهذا السبب كان كافیا لتنفیذ الأمر، ولكن بعض الذین حضروا قالوا هجر، فكانت هذه الكلمة كافیة لیمسك الرسول عن كتابة الصحیفة، لأنها ربما تكون مدخلا لتشكیك البعض فی كل ما كتب من وصایا وعهود ویترتب علی ذلك فتن عدیدة، ویشهد بذلك ما روی عن ابن عباس أنه قال قالوا: إن نبی الله لیهجر، فقیل له: ألا نأتیك بما طلبت؟

قال: أو بعد ماذا!، [12] وأمر الرسول إلیهم بأن یأتوه بصحیفة لتكتب لهم الكتاب، هذا الأمر فی حد ذاته كافیا لإقامة الحجة علیهم وإن لم یأتوا إلیه بالصحیفة، ومن المعلوم أن النبی (ص) قد أقام الحجة علی الأمة بالبلاغ فی حجة الوداع وقبلها وبعدها فی غدیر خم.

وقد احتج البعض أن قولهم حسبنا كتاب الله یستند إلی أن الكتاب جامع لكل شئ، وقولهم هذا ینتج إشكالا، لأن الكتاب الجامع لكل شئ أمر بطاعة الرسول، وعلی الرغم من أن الكتاب جامع إلا أنه لیس فی استطاعة كل واحد أن یستخرج منه ما یریده علی وجه الصواب، لهذا فوض الله رسوله فی أن یبین للناس ما أنزل إلیهم من ربهم، ولأن الناس فی حاجة إلی السنة مع كون الكتاب جامعا، جعل النبی (ص) عترته مع الكتاب فی حبل واحد ولن یفترقا حتی یردا علیه الحوض، وبالجملة: لما كان الكتاب به آیات متشابهات. وهذه الآیات یتتبعها الذین فی قلوبهم زیغ لإثارة الفتن ولتأویل الكتاب، حتی ینتهی



[ صفحه 274]



تأویلهم إلی تعطیل الحكم بالكتاب، ولما كان الكتاب مع كونه جامعا لكل شئ لا یحقق دوام الهدایة وعدم الاختلاف. بدلیل أن الضلال وقع والتفریق وقع فعلا، فإن الأمن من الضلال لا یكون إلا بالكتاب. ومعه الطاهر الذی یتأوله، ویمكن للباحث أن یستنتج ذلك، إذا ربط بین أمر الرسول وهو علی فراش المرض. وبین البلاغ الذی أقام به الحجة قبل ذلك، فیوم الصحیفة قال (ص) آتونی بصحیفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا [13] وفی بلاغه. قال (ص) إنی تارك فیكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدی. أحدهما أعظم من الآخر. كتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض وعترتی أهل بیتی، ولن یفترقا حتی یردا علی الحوض. فانظروا كیف تخلفونی فیهما. [14] .



[ صفحه 277]




[1] رواه البخاري ب قول المريض قوموا (الصحيح 7 / 4) ومسلم ب ترك الوصية (الصحيح 76 / 5) وأحمد (الفتح الرباني 191 / 22.

[2] رواه البخاري ك العلم (الصحيح 31 / 1).

[3] رواه أحمد (الفتح الرباني 225 / 22) وابن سعد (الطبقات 243 / 2).

[4] رواه مسلم ب ترك الوصية (الصحيح 76 / 5).

[5] لسان العرب ص 4618.

[6] المصدر السابق 4618.

[7] مختار الصحاح ص 690.

[8] المعجم الوسيط 972 / 2.

[9] سورة الحجرات آية 2.

[10] سورة النور آية 63.

[11] سورة الأنفال آية 25.

[12] ابن سعد (الطبقات الكبري 242 / 2).

[13] ابن سعد (الطبقات الكبري 242 / 2).

[14] رواه الترمذي وقال حديث حسن (الجامع 663 / 5).